
في زمن مليء بنجوم اللامعين وأسماء معروفة برز لاعب غير معروف للنفس البشرية لكنه سرعان ما جذب الأنظار بجرأته وهدوئه وثباته مع فريق اتحاد جدة في جميع المنافسات هذا الموسم، ومحمدو دومبيا اللاعب الذي جاء بهدوء تحول في غضون أسابيع إلى قلب نابض في وسط فريق الاتحاد، حيث يحرك الإيقاع يكسر النسق ويضفي التوازن بين القوة والجمال على الفريق، ولم يحتاج دومبيا إلى وقت طويل أو تصريحات ليثبت نفسه فقد أظهر مستويات بارزة وشخصية قوية جعلت الجماهير تهمس باسمه قبل أن تعلي أصواتها به، ولقد بدا وكأنه يفهم روح فريق الاتحاد أكثر من أي لاعب جديد لا يخشى الالتحامات دقيق في تمريراته ولا يتردد عندما تشتد المنافسة، إنه النوع من اللاعبين الذين يولدون ليكونوا جزءًا من هوية الفريق وليس مجرد رقم في القائمة.
صفقة غامضة في اتحاد جدة
تعاقد الاتحاديين مع دومبيا كان مفاجأة للكثيرين، خاصة بعد ارتباط الفريق بعدد من النجوم الكبار في خط الوسط، لكن الإدارة الرياضية قررت الاستثمار في مبلغ صغير بالتعاقد مع لاعب شاب عنيف ولكنه متمتع بمهارات فنية وبدنية جيدة، حيث تم التعاقد مع دومبيا من رويال أنتويرب البلجيكي مقابل 16 مليون يورو فقط، وكان هناك مخاوف بشأن قدرة اللاعب على التأقلم مع أجواء الكرة السعودية في ضوء صغر سنه ونقص الخبرة، بينما كان العميد يعاني من نتائج محلية متراجعة وأحوال إدارية غير مستقرة.
تهميش فرنسي
في البداية تعرض دومبيا لتهميش من المدرب الفرنسي السابق لوران بلان الذي كان يعتمد على الثلاثي حسام عوار نجولو كانتي وفابينيو بشكل أساسي وسط الملعب، مما أدى لتجاهله بشكل دائم، وخلال فترة قيادة بلان، لم يشارك اللاعب المالي البالغ من العمر 21 عامًا سوى في 96 دقيقة، حيث لم يتمكن من الاعتماد عليه، سواء بوضعه على مقاعد البدلاء أو استبعاده من المباريات.
جاء استبعاد دومبيا بانتقادات جماهيرية كبيرة ضد بلان، حيث طالب البعض بإشراك الصفقة الجديدة لتقييم مستواه الحقيقي، وعندما قرر بلان إعطائه الفرصة في مباراة كاملة كانت ضد الوحدة الإماراتي في أولى مباريات دوري أبطال آسيا لكنه ظهر بمستوى متواضع بسبب صعوبة الظروف وتراجع مستوى الفريق بشكل عام.
سطوع دومبيا
عندما تولى المدرب البرتغالي سيرجيو كونسيساو، قام بإعتماد دومبيا بشكل أساسي كلاعب ارتكاز، مستفيدًا من صلاحياته الفنية والبدنية، لعب دومبيا 4 من أصل 6 مباريات تحت قيادة كونسيساو، وأصبح واحدًا من الأركان الأساسية في الفريق.
يمتلك دومبيا مزيجًا نادرًا من القوة البدنية والذكاء التكتيكي، مما يجعله بمثابة المحرك الصامت لنظام الاتحاديين، حيث تمكنه قدرته على قراءة اللعب قبل حدوثه من قطع الكرة وامتلاك أفضلية في تمريرها، مما يجعله نقطة تحول بين الدفاع والهجوم.
لا يكتفي دومبيا بدوره التقليدي كارتكاز، بل يملك الجرأة على التقدم وإحداث الفارق عندما تتاح المساحات، محافظًا في ذات الوقت على توازنه وانضباطه التكتيكي، ويحسب له أيضًا قدرته على توجيه زملائه داخل الملعب، كما لو كان لديه “رادار داخلي” يراقب كل حركة، وهدوءه تحت الضغط جعله أحد أكثر اللاعبين ثقة في تمرير الكرة وبناء اللعب، وهو ما ساعد كونسيساو على تنفيذ فلسفته المعتمدة على الخروج المنظم بالكرة من الخلف.
سرق عقل كونسيساو
أثبت دومبيا كونه أحد العناصر البارزة التي ساعدت الاتحاد على الفوز على الشارقة الإماراتي 3-0، في رابع مباريات دوري أبطال آسيا بالنخبة، وفي فيديو تم تداوله عبر منصات التواصل، كان كونسيساو يوجه دومبيا لتمرير الكرة في العمق قبل تسجيل الهدف الثالث بواسطة اللاعب البرتغالي روجر فيرنانديز، وفي الواقع قدم دومبيا تمريرة في العمق لحامد الغامدي الذي بدوره مرر الكرة لفيرنانديز لإضافة الهدف الثالث.
لم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي ينجح فيها دومبيا في كسر الخطوط الخلفية من خلال تمريراته البينية، بل قام بذلك في مناسبات عدة خلال المباريات، وبعد المباراة حظي دومبيا بإشادة مدربه، الذي قال: “دومبيا يحب أن تكون الكرة دائمًا بين قدميه، وهذه من سماته، أتحدث معه بشكل دائم”.
وأضاف: “هؤلاء اللاعبون بالنسبة لي كأبنائي، لا مجاملات هنا لأننا نبحث دائمًا عن الأفضل”، واختتم: “لو لاحظتم، بعد التوجيهات، بدأ دومبيا يظهر بشكل أفضل داخل الملعب”.
إشادة جماهيرية لا تتوقف
منذ ظهوره الأول بقميص الاتحاد، استطاع محمدو دومبيا خطف قلوب جماهير “العميد”، التي رأت فيه نموذج اللاعب المقاتل الهادئ في ذات الوقت، امتلقأت مواقع التواصل بعبارات الاعجاب، وتحول اسمه إلى وسم متداول بعد كل مباراة، خصوصًا بعد أدائه الثابت أمام الفرق الكبرى.
وصفته الجماهير الاتحادية بأنه “اللاعب الذي يمنح الطمأنينة” وسط الملعب، بعدما نجح في إحداث التوازن الذي عانى منه الفريق في أوقات سابقة، رغم أن الأضواء كانت موجهة بداية إلى النجوم الكبار مثل بنزيما وكانتي وديابي، إلا أن دومبيا فرض احترامه بصمت وجهد مستمر، حتى أصبح أحد العناصر التي تطالب الجماهير بضرورة استمرارها في التشكيلة الأساسية.




تعليق واحد