30 ديسمبر/ كانون الأول 2025
أعرب الناشط المصري علاء عبد الفتاح عن شعوره بـ”الصدمة” بعد إعادة نشر تغريدات قديمة كتبها قبل أكثر من 10 سنوات، واستخدامها لـ”التشكيك في نزاهته وقيمه”. جاءت هذه التصريحات بعد وصوله إلى لندن ولقائه بأسرته للمرة الأولى منذ 12 عاماً، بينما طالب سياسيون بريطانيون بترحيله وتجريده من الجنسية البريطانية. أطلقت وزيرة الخارجية البريطانية، إيفيت كوبر، تحقيقاً في ما وصفته بـ”قصور خطير في المعلومات” بقضية الناشط البريطاني المصري علاء عبد الفتاح، حيث أكدت في رسالة إلى لجنة الشؤون الخارجية أنها والسير كير ستارمر، ونائب رئيس الوزراء ديفيد لامي، “لم يكونوا على علم بتغريدات الناشط القديمة، التي يعتبرونها بغيضة”. جاء هذا بعد أن طالب حزب المحافظين وحزب الإصلاح البريطاني بسحب الجنسية البريطانية منه وترحيله، بسبب ظهور منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي يدعو فيها إلى “قتل الصهاينة”.
في الساعات الماضية، تصدّر عبد الفتاح عناوين الصحف البريطانية ومنصات التواصل الاجتماعي، بعد تداول صور لتغريدات قديمة وُصفت بأنها معادية للسامية وتشجع على العنف. وفي بيان مطوّل نشره على صفحته الرسمية، قال عبد الفتاح إنه عند إعادة قراءة تلك التغريدات، يدرك “مدى صدمتها وإيذائها”، مقدماً “اعتذاراً صريحاً لا لبس فيه”. أوضح عبد الفتاح أن الجدل الحالي تزامن مع مناسبة شخصية “شديدة الحساسية”، إذ كان يستعد للاحتفال بعيد ميلاد ابنه للمرة الأولى منذ 2012، مضيفاً: “قضيت معظم حياة ابني خلف القضبان بسبب دفاعي المستمر عن المساواة والعدالة والديمقراطية العلمانية”.
اعتذار
شدد عبد الفتاح على أن بعض تغريداته “أُسيء فهمها أو جرى اجتزاؤها بسوء نية”، موضحاً أن تغريدة اتُهم فيها برهاب المثلية كانت في الأصل “سخرية من رهاب المثلية نفسه”، وأن تغريدة أخرى فُسرت على أنها إنكار للمحرقة كانت تهكماً على منكريها. أكد أنه يأخذ اتهامات معاداة السامية “بأقصى درجات الجدية”، مشدداً على معارضته للطائفية والعنصرية، موضحاً أن التغريدات كُتبت في سياق “غضب وإحباط شاب” خلال أزمات إقليمية كبرى، مثل الحروب على العراق ولبنان وغزة، وتصاعد العنف الشرطي ضد الشباب في مصر. وأضاف أن بعضها جاء ضمن “معارك إلكترونية” سادت بدايات وسائل التواصل الاجتماعي، دون اعتبار لكيف يمكن فهمها.
تدوينات قديمة
بعد وصول علاء عبد الفتاح إلى العاصمة البريطانية، انتشرت صور لتغريدات منسوبة له. أشارت إحدى الصور إلى أنه في أغسطس/آب 2011 كان يشجع على مهاجمة الشرطة البريطانية واستهداف “مواقع” في لندن، على خلفية أعمال الشغب التي اندلعت بعد مقتل الشاب مارك داغن برصاص الشرطة في توتنهام، والتي تحولت لاحقاً إلى اشتباكات امتدت إلى عدة مدن إنجليزية. كما أظهرت تدوينة أخرى من نوفمبر/تشرين الثاني 2010 دعوة إلى قتل من وصفهم بالصهاينة، بما في ذلك المدنيون، إضافة إلى صورة تدوينة أخرى من 2011 تحدثت عن خطط للسيطرة على مدينة (لم يحددها) و”اغتصاب نسائها”. تضمنت تغريدات أخرى من عام 2010 هجوماً على “تاريخ بريطانيا الاستعماري ومؤسساتها، متهمةً إياها بارتكاب مجازر واستعباد شعوب”، بالإضافة إلى سخرية مهينة تجاه البريطانيين.
ترحيب رسمي وانتقادات
جاء الجدل بعد يومين من وصول عبد الفتاح، الحاصل على الجنسية البريطانية، إلى لندن بعد رفع اسمه من قوائم الممنوعين من السفر، عقب الإفراج عنه بعفو رئاسي بعد قضائه معظم العقد الماضي في السجن. عند وصوله، رحّب به رئيس الوزراء كير ستارمر وعدد من كبار المسؤولين، من بينهم وزيرة الداخلية إيفيت كوبر ونائب رئيس الوزراء ديفيد لامي، قبل أن تنتشر صور التغريدات المثيرة للجدل، يُعتقد أن ستارمر لم يكن على علم بها عندما رحب بوصول علاء. تعرض السير كير ستارمر لانتقادات حادة لتصريحه بأنه “مسرور” بوصول علاء عبد الفتاح إلى المملكة المتحدة، بعد ثلاثة أشهر من إطلاق سراحه من سجن في مصر. كانت هناك انتقادات خصوصاً من حزب المحافظين، حيث طالب بعض نواب حزب العمال بسحب جنسيته، وأعاد معارضون نشر تغريداته متهمين إياه بالدعوة إلى “قتل البيض” ووصف البريطانيين بـ”الكلاب والقرود”. يوم الاثنين، وصف السير كير التغريدات التي ظهرت مجدداً بأنها “بغيضة للغاية”، وأعلن أن الحكومة “تتخذ خطوات لمراجعة أوجه القصور في المعلومات المتعلقة بهذه القضية”. أضاف: “مع تصاعد معاداة السامية، والهجمات المروعة الأخيرة، أعلم أن هذا قد زاد من معاناة الكثيرين من الجالية اليهودية في بريطانيا”. رد وزير العدل في حكومة الظل المحافظة، روبرت جينريك، الذي قاد الانتقادات الموجهة لاستقبال السير كير للناشط، بتجديد دعوته لترحيل عبد الفتاح من المملكة المتحدة. مساء الاثنين، أعلنت حركة “إصلاح المملكة المتحدة” أنها ستعدل القانون لضمان إمكانية سحب الجنسية البريطانية من عبد الفتاح وترحيله.
مطالبات بالترحيل
بعد انتشار صور التدوينات المنسوبة لعلاء، تصاعدت المطالبات بسحب جنسيته وترحيله، حيث دعت زعيمة حزب المحافظين كيمي بادينوش، إلى ترحيل عبد الفتاح، قائلة: “لا أريد أشخاصاً يكرهون بريطانيا أن يأتوا إلى بلدنا”. كما طالب زعيم حزب الإصلاح البريطاني نايجل فاراج السلطات بالنظر في إمكانية سحب الجنسية، مؤكداً أنه قام بالإبلاغ عن عبد الفتاح إلى شرطة مكافحة الإرهاب. بعض مستخدمي مواقع التواصل اعتبروا استقبال عبد الفتاح يتعارض مع المعايير المطبقة على مواطنين بريطانيين آخرين، مستشهدين بسجن الناشط اليميني سام ميليا، الذي تم سجنه بسبب إدانته في قضايا تتعلق بالتحريض على الكراهية. كما علق رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك ساخراً على وجوده في لندن.
تراجع في الدعم
أعرب بعض السياسيين البريطانيين عن ندمهم لدعمه سابقاً، فقال السير إيان دنكان سميث، الذي وقّع رسالة تطالب بالإفراج عنه، إنه لو علم بمضمون التغريدات لما وقعها. انتقدت رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس ما وصفته بتغلغل منظمات حقوق الإنسان في مؤسسات الدولة البريطانية، رغم أن حكومتها طالبت بالإفراج عنه بعد حصوله على الجنسية البريطانية في 2021. حصل عبد الفتاح تلقائياً على الجنسية البريطانية بموجب قانون الهجرة الذي يسمح للأمهات بنقل الجنسية البريطانية لأطفالهن، حتى لو كانوا خارج المملكة المتحدة، حيث وُلدت والدته في لندن أثناء دراسة جدته فيها، لكن علاء تقدّم بطلب للحصول على الجنسية منذ أعوام قليلة، ضمن محاولات إخلاء سبيله. أكد عبد الفتاح أنه تألم لرؤية بعض من دعموا الإفراج عنه يشعرون بالندم، مشدداً على أن التضامن مع شخص سُجن ظلماً “موقف مشرّف”، حتى لو تغيّرت المواقف لاحقاً.
مصر
تباينت ردود الفعل على مواقع التواصل العربية، إذ رأى البعض أن توقيت تسريب التغريدات قد يكون مقصوداً لتغيير صورة عبد الفتاح كمناضل من أجل الحرية، في المقابل، اعتبر آخرون أنه كان يجب أن يعتذر عما فعله داخل مصر وليس فقط أمام المجتمع البريطاني، حيث تضمنت إحدى صور التدوينات المنسوبة له تحريضاً على العنف ضد ضباط الشرطة المصريين وعائلاتهم. كما شنّ إعلاميون مصريون هجوماً عليه، مطالبين بإسقاط الجنسية المصرية عنه.
سجنه في مصر
واجه عبد الفتاح على مدار سنوات اتهامات من السلطات المصرية، منها التحريض ضد الشرطة والجيش ونشر أخبار كاذبة، وهي اتهامات تقول أسرته ومنظمات حقوقية إنها ذات طابع سياسي، وقد أمضى عبد الفتاح سنوات في السجن على خلفية قضايا تتعلق بالتحريض ونشر أخبار كاذبة، حيث أُوقف آخر مرة في 2019، وحُكم عليه في 2021 بالسجن خمس سنوات، وأُوقف سابقاً في 2011 و2013 بتهم مشابهة. كان عبد الفتاح قد أُفرج عنه بعفو رئاسي مصري بعد إضراب طويل عن الطعام خاضته والدته الأكاديمية ليلى سويف، مما أثار مطالب حقوقية ودولية واسعة بالإفراج عنه. وكانت الحكومة البريطانية، بما في ذلك رئيس الوزراء كير ستارمر وعدد من المسؤولين، من بين من طالبوا بإخلاء سبيله قبل الإفراج عنه.



